كرة القدم الإفريقيةلقاء خاص

علي محمد علي في حوار خاص لميركاتو داي: ميمي الشربيني لا يُهزم، وهذا ما سأفعله بعد التعليق!

رحل عن التلفزيون المصري منذ 16 عامًا للمشاركة في وضع حجر أساس شبكة قنوات الجزيرة الرياضية القطرية (بي إن سبورتس حاليًا)، فصار مع الوقت علامة من علامات القناة، وأحد الأعمدة الرئيسية التي لا غنى عنها مهما مرت البنفسجية من تقلبات وتغيرات إدارة وهيكلية.

ورغم الابتعاد عن الوطن لهذه السنين الطويلة، ظل اسم «علي محمد علي» عالقًا في أذهان عشاق كرة القدم المصرية، واستمر صوته مطلبًا دائمًا في كل المباريات الكبرى سواء عندما يتعلق الأمر بدوريات أوروبية أو منافسات عربية.

حقق المعلق الرياضي المصري «علي محمد علي» العديد من الإنجازات على الصعيد المهني بالمشاركة في التعليق على أكبر البطولات العالمية والقارية منذ عام 1998 حتى الآن، وكانت انطلاقته الحقيقية من نهائي دوري أبطال أوروبا المنتهي في دقيقتين لصالح مانشستر يونايتد عام 1999، والذي علق عليه لقناة النيل للرياضة.

يتمتع ضيف ميركاتو داي، بموهبة وزخم معلوماتي وخفة ظل، وضعته في مكانة خاصة بين أفضل المعلقين العرب على مدى السنوات الـ 25 الماضية.

رقميًا واحصائيًا بفضل ثبات مستواه مع بي إن سبورتس القطرية، يبقى علي محمد علي أهم معلق مصري من ناحية التجربة بعدد هائل من المباريات والبطولات الدولية التي علق عليها خلال مسيرته من عين الحدث. الشيء الذي لم يتمكن من تحقيقه كل أبناء جيله من مدرسة التعليق المصري وحتى ممن سبقوه.

مقابلة ميركاتو داي امتدت مع علي محمد علي لمدة 3 ساعات ونصف أثناء زيارة قصيرة إلى الدوحة في وقت سابق من هذا الشهر في العطلة الدولية؛ فكانت بداية الحديث عن تفنيد مسيرته الإعلامية التي تصلح سيناريو فيلم إنساني، خاصةً أنه وضح الكثير من الحقائق لأول مرة أمام عشاق كرة القدم المصرية والعربية.

كيف بدأ علي محمد علي في الإعلام الرياضي؟

– جاءتني فرصة أيام الدراسة عندما كنت في السنة الثالثة أو الرابعة بكلية إعلام القاهرة للتدرب مع القناة الثالثة الأرضية في برنامج يُدعى «كل عروسين» كان يُذاع يوم الخميس من كل أسبوع وفيه مادة إعلامية رائعة جدًا رغم أنه كان يتحدث عن الأفراح وتجهيزات عش الزوجية من موبيلية وفرش إلى غير ذلك.

لكن العرض كان بطريقة خاصة، وكانت الأستاذة «عائشة عبد الفتاح» مُخرجة البرنامج، وقدمته رئيسة القناة الأستاذة «عائشة البحراوي».

كما عملت مع المخرجة المتميزة إيناس الدقن وإنصاف رفعت، وعدد آخر من المخرجين الذين أصبحوا أشهر وأفضل المخرجين في مصر فيما بعد، قضيت معهم فترة الصيف ولم أستمر.

بعدها بفترة انتقلت للعمل لدى القناة الرياضية السعودية، حيث كان لها مكتب خاص في القاهرة يديره الأستاذ «إبراهيم حجازي» رحمة الله عليه، وعملت رفقته لبضعة أسابيع ثم غادرت المكان.

لماذا لم يواصل علي محمد علي مع الرياضية السعودية؟

– كُلفت من قبل الأستاذ إبراهيم بجلب بعض الأخبار من نادي الزمالك بسبب انتمائي له، لكنني رفضت الذهاب، والتخصص في اخبار ناد واحد على حدى، والعمل في التحرير والاخبار.

لم أجد نفسي كصحفي أو ككاتب رياضي في ذلك الوقت، حتى عندما تحولت لكتابة المقالات في بعض الصحف والمواقع بعد مدة من عملي مع قناة الجزيرة الرياضية لم استرح وقررت الانسحاب من هذا المجال، قبل أن أعود له من جديد مع موقع العربي الجديد عام 2022.

ما قصة مجلة Satellite Guide؟

– خلال فترة التسعينيات عملت مع مجلة أسبوعية تُدعى «Satellite Guide»، وكان الأستاذ «لويس جريس» مديرها آنذاك، وأعتقد أنه كان سببًا رئيسيًا في تحولي إلى مجال التعليق الرياضي عندما أصر على تقديمي للصفحة الرياضية لديه في المجلة.

في الحقيقة لم أكن أفكر في أن أصبح معلقًا رياضيًا على الإطلاق إلا أنني وجدته يدفعني ويشجعني للكتابة عن الرياضة وكرة القدم في المجلة بعد أن أبدى اعجابه الشديد بما أمتلكه من معلومات وثقافة لغوية وقدرة على إيصال الأفكار للمتلقي.

بفضل الاستاذ لويس جريس، بدأت تقديم الصفحة الرياضية في مجلته لثلاث أو أربع مرات، لكن مع الأسف لم يستمر المشروع، وأغلقت المجلة لأسباب مالية.

ما علاقة التعليق بصفحة الوفيات بجريدة الأهرام؟

– يضحك!! تلك الصفحة أحد الأسباب التي أدخلتني مجال التعليق. يبدو انك قرأت عن القصة من قبل.

القصة ببساطة، وجدت إعلانًا مُهمشًا بين عدد هائل من الإعلانات بعد صفحة الوفيات بجريدة الأهرام في نهاية التسعينات، كان يتحدث عن اختبارات معلقين رياضيين.

قررت التقديم في هذه الاختبارات رغم أنني لم أعلق من قبل على أي مباراة حتى ولو في الشارع.

وقف الأستاذ لويس جريس إلى جانبي من جديد وشجعني وحفزني ونصحني بتدريب نفسي قبل خوض الاختبارات في التلفزيون.

بعدها بفترة وجيزة وجدت على صفحات جريدة «أخبار الرياضة الأسبوعية» إعلانًا عن نجاح بعض المعلقين في الاختبارات أمثال أحمد الطيب وعادل محمود وأشرف محمود وطارق الأدوار، فشعرت بالإحباط لأن الاختبارات لم تبدأ من الأساس!.

علي محمد علي رفقة محمود ماهر
علي محمد علي رفقة محمود ماهر

لكن فجأة تلقيت اتصالاً هاتفيًا من قناة النيل للرياضة يحددون لي موعدًا للاختبار أمام لجنة التحكيم.

من حسن حظي حصلت على مباراة نهائي دوري أبطال أوروبا بين «بوروسيا دورتموند ويوفنتوس» وكان في لجنة التحكيم وقتها الأستاذ «حسام فرحات» والمعلق العظيم «ميمي الشربيني» ووزير الشباب والرياضة «عبد العزيز الشافعي» والحكم «حسين فهمي».

أتذكر أنني علقت على هذه المباراة لمدة دقيقة واحدة فقط، وبعد ذهابي إلى لجنة التحكيم فوجئت بسعادتهم وقالوا أنني قدمت أداءً طيبًا واعجبتهم.

كيف لفت أنظارهم بهذه السرعة في دقيقة واحدة؟

– بسبب معلومة عن اللاعب البرتغالي باولو سوزا، ذكري لمعلومة سريعة عن تمثيله ليوفنتوس قبل انتقاله إلى بوروسيا دورتموند.

هذه المعلومة أعجبت ميمي الشربيني على وجه التحديد، لأن في ذلك الوقت لم يكن هناك إنترنت أو وسائل اتصال سهلة للحصول على المعلومة.

كان حديثي ملفتًا للأنظار ومختلفًا عن باقي المعلقين الذين اختبروا، بفضلها أكدت قوة معلوماتي ومدى إلمامي بالكرة العالمية، فقرروا منحي الفرصة.

ميمي الشربيني لديه نظرة حتى في المعلقين؟

– إذا قلنا أن الكابتن محمد لطيف هو رائد التعليق الرياضي العربي، فإن كابتن ميمي هو مدرسة التعليق الذي تخرج من تحت عباءته العديد من رموز التعليق.

ميمي الشربيني مدرسة في التدريب والتعليق واكتشاف المواهب، لديه رؤية ثاقبة. كنت اتمنى استمراره في عالم التعليق لأكثر من ذلك، لكن للاسف صحته لم تسعفه فعلها.

ما رأيك في اكتشاف ميمي الشربيني لحسام غالي؟

– لو تتذكر سنة 1999 لعب برشلونة مئويته ضد المنتخب البرازيلي، ورافقت الكابتن ميمي الشربيني في الكابينة للتعليق بشكل مزدوج على هذا اللقاء، وبين الشوطين أخبرني عن حسام غالي.

كان ميمي الشربيني يعمل آنذاك رئيسًا لقطاع الناشئين في الأهلي، قال «رأيت لاعب اسمه حسام غالي، حدوته كروية، ينتظره مستقبل عظيم أكثر من إبراهيم سعيد وكل أبناء جيله».

هل التعليق المزدوج كان مُجديًا في قناة النيل للرياضة؟

– تجربة رائعة استفدنا منها خبرات واسعة بسبب احتكاكنا بفطاحلة التعليق بشكل مباشر. الأستاذ حسام فرحات اقتبس المشروع من المدرسة الأوروبية.

استطعنا تطبيقها بشكل مميز بفضل معلقين مثل ميمي الشربيني ومحمود بكر وحمادة إمام.

علقنا كأس العالم 1998 وكوبا أميركا 1999 ويورو 2000 بنظام التعليق المزدوج وكل المعلقين المُبتدئين وقتها استفادوا استفادة ضخمة، وكنت من بين المستفيدين.

تتحدث كثيرًا عن ميمي الشربيني رغم نقده لك قبل فترة؟

– أكن للكابتن ميمي الشربيني كل الاحترام والتقدير مهما حدث بيننا، وأعتز وأفتخر بأنني كنت زميلاً له في كابينة التعليق عدة مرات في بداياتي.

المشكلة التي وقعت بيننا كانت بسبب إجابة عفوية لي على أحد الأسئلة خلال لقاء عبر قناة النيل للرياضة.

المذيع سألني عن ميمي الشربيني فأخبرته بتفاصيل الحوار الجانبي الذي دار بيني وبينه بعد مباراة مئوية برشلونة التي حدثتك عنها.

ماذا دار بينك وبين ميمي الشربيني في مئوية برشلونة؟

– المنافسة في كم المعلومات كان محتدمًا بيني وبين الكابتن ميمي الشربيني خلال مباراة مئوية برشلونة.

كنت أجتهد لمجاراته قدر المستطاع، وبعد المباراة سألته: “ما رأيك يا كابتن في أدائي اليوم؟” فأخبرني بأنني كنت جيد جدًا وسوف أنافسه على تعليق المباريات الكبرى خلال السنوات القادمة.

الكابتن ميمي الشربيني
الكابتن ميمي الشربيني

لكن للأسف الفكرة من ذكر هذا الموقف فُهمت بشكل خاطيء ومَن أوصله الكلام أوصله بشكل سيء. توترت العلاقة بيننا بعدها ولم نلتق منذ مدة طويلة.

أنا علي محمد علي لا يمكنني ولا أستطيع مُنافسة أستاذ كبير مثل ميمي الشربيني، صاحب تاريخ حافل في عالم كرة القدم والتدريب والتعليق.

حديثي عن هذا الموقف كان بدافع الفخر لما قاله لي وقتها، وليس للتقليل من الكابتن ميمي الشربيني لسمح الله، كنت فخور جدًا بأن معلق بارع مثله يتحدث عن منافستي له.

أعتقد هناك مَن حاول الإيقاع بيني وبينه وزرع بداخله فكرة غير صحيحة عني والله يسامح هذا الشخص.

جمعتك مواقف أخرى بمعلقين كبار؟

– بالطبع، سأبدأ من حيث انتهيت، الكابتن ميمي الشربيني وأجندته الضخمة، كانت تحوي كمًا هائلاً من المعلومات والعبارات المأثورة والجُمل الخاصة به، دائمًا ما حاول إخفائها مني بطريقة خفيفة الظل.

محمود بكر، كان يتمتع بعفوية طبيعية وجميلة، لديّ موقف مع رحمة الله عليه لا أنساه بعد مباراة للأهلي في دوري أبطال أفريقيا عام 2002.

كنا نعلق معًا على مباراة الأهلي والرجاء البيضاوي المغربي في ستاد القاهرة والتي انتهت بالتعادل 3/3 بهدف لهشام بوشروان في آخر دقيقة.

قيل أن الكابتن محمود بكر هو الذي اختار الأغاني التي أذاعتها الإذاعة الداخلية لاستاد القاهرة قبل انطلاق المباراة، وأغلبها كان احتفاليًا بتتويج الزمالك بلقب الدوري.

انتشرت تلك الأقاويل بين جماهير الأهلي، وعلم محمود بكر بالأمر فقرر الهروب خلسة بمساعدتي خوفًا من بطش جمهور الأهلي.

أوصاني بجلب سيارتي أمام مدرجات الدرجة الثانية، وهي نفسها مكان دخول الصحفيين والإعلاميين، وبجريدة المساء أو الجمهورية لا أتذكر، أخفى وجهه فور صعوده للسيارة.

لكنه فوجيء بسيري في الاتجاه المعاكس للخروج، ولحظة تحذيره لي وجدنا أمامنا عدد هائل من الجماهير كادوا يفتكوا بالسيارة، ردة فعله كانت كوميدية لدرجة أنني لم أستطع حبس دموعي من شدة الضحك.

وماذا عن حمادة إمام وشوبير؟

كابتن حمادة إمام، كان دائمًا ما يُشجعني ويُحفزني في بداياتي مع التعليق، لدرجة أنه كلما يقابلني يدعوني لحضور حلقة من حلقات برنامجه على القناة الثالثة الأرضية، ولا يتمكن من ذلك.

لكنه ذات مرة نجح في استضافتي أنا وحاتم بطيشة، كان يحرص على إظهار الآخرين ومنحهم الفرصة.

والكابتن أحمد شوبير كذلك من الناس الذين شجعوني كثيرًا، وظهرت معه في برنامجه على القناة السادسة الأرضية، وأتذكر أنني ذهبت مع أحمد الطيب.

الحمد لله، هناك مَن شجعني ووقف جواري في بداياتي مع التعليق، وأنا مدين لكل هؤلاء بالشكر لا سيما الأستاذ «حسام فرحات» صاحب فكرة النيل للرياضة والأستاذ «عبد الفتاح حسن» والأستاذ «يسري مرزوق».

جول: قبل كل كأس العالم منذ عام 2002 أراجع اسطواناتك عن تاريخ المونديال التي قدمتها لمجلة عيناوي الإماراتية، حدثنا عن التجربة!

– من الجيد أن أعرف أنني أحد طقوس محبي كرة القدم قبل كؤوس العالم. كانت تجربة من ضمن عدة تجارب خضتها لاكتساب المزيد من الخبرات في عالم التعليق الرياضي.

وقتها كنت مُعدًا في البرنامج الرياضي على القناة الثانية الأرضية المصرية «اللعب في الصندوق» رفقة الكابتن محمود الخطيب.

وستُفاجأ حين أخبرك بأنني قمت باداء التسجيل الصوتي لملخصات كؤوس العالم في فيلا بالقرب من مصر الجديدة بعد اتصال هاتفي مع مسؤول الشركة المنتجة.

بدأت مشاهدة ملخص كل بطولة على حدى ثم حضرت اسكريبت لكل بطولة بنفسي، وقررت التعليق على كل فيديو بطريقتي الخاصة كمعلق على مباريات عادية وليس على مواد مُسجلة.

حاولت توخي الحذر عند التسجيل والابتعاد عن مدرسة الدوبلاج التي تعرفها، وكانت نقطة الخلاف بيني وبين الشركة على الكيفية التي سأعلق بها على الفيديوهات، لكنني قررت ألا أكون مُجرد «فويس أوفر» وتعمدت أن أظهر قدراتي الخاصة في التعليق. ونجحت في خطتي واستطعت ترك بصمة عند الناس.

بالطبع البصمة كانت ستكون أكبر لو نُشرت الاسطوانات في مصر مع مجلة الأهرام الرياضي كما كان متفقًا عليه في البداية، لكن الشركة المنتجة غيرت خطتها واتفقت مع مجلة عيناوي الإماراتية فيما بعد، لكنني لستُ مهتمًا بما حدث بقدر اهتمامي بأن التسجيلات كانت تلقائية وطبيعية ولم تكن بالشكل التقليدي، وهي ذكرى جميلة بالنسبة لي، ويكفي انك تسألني عنها الآن وقد مر عليها أزيد من 20 سنة على تلك التجربة.

ما أكثر خطأ ندمت عليه أثناء التعليق؟

– نحن بشر وأي شخص معرض للخطأ. قبل ذهابي إلى كابينة التعليق بساعة ونصف لا أتحدث مع أي شخص لهذا أتمكن من جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات الدقيقة واستطيع ترتيب الأفكار التي سأنقلها للمشاهدين.

المعلق الرياضي المصري علي محمد علي

لا أتذكر خطأ كارثي وقت به، ومن دون شك ألوم نفسي على بعض الأخطاء البسيطة.

أهم شيء للخروج بأي مباراة لبر الأمان هي حالة العزلة التي يجب أن يعيشها المعلق قبل فترة من بدء البماراة، عندما أصفي ذهني لهذه المدة أنجح في دخول أجواء المباراة.

وأعتقد أن التعليق حالة مزاجية وشعورية. بعض الزملاء يذهبون إلى الكابينة قبل المباراة بعشر دقائق بالتشكيل فقط، هذه هي طقوسهم، لكنني لا أفضل فعل ذلك وأستعد نفسيًا ومعنويًا وذهنيًا لاتعايش مع أجواء كل فريق وكل مسابقة عن طريق المتابعة والإطلاع على كافة الأخبار والمصادر المختصة بالحدث.

أحيانًا أعاتب نفسي على كثرة المعلومات التي لا تضيف للمباراة بشكل مباشر، هذا يحدث بصورة ملحوظة بسبب محاولتي إضفاء الحيوية على بعض المباريات الفاترة، وهناك مباريات أخرى لا يمكنك التقاط أنفاسك فيها وتجبرك إثارتها ومتعتها وسرعتها على ألا تذكر أي معلومة تقوم بتحضيرها.

المعلق مرآة الحدث، لو كانت مباراة سريعة ومثيرة يجب أن يكون مثلها، لو كانت المباراة هادئة لا مفر من هدوءه، ومن جانبي أجد المعلومات ملاذًا لي للفرار من ملل بعض المباريات.

ماذا ستفعل لو توقفت عن التعليق التلفزيوني؟

– سأنتقل للإذاعة. أحبها كثيرًا. لماذا؟ لان فيها نوع من الخيال والوصف، مهارة المعلق اللغوية والفكرية تظهر أكثر وأكثر عندما يعلق على مباراة إذاعيًا،

لكن التعليق التلفزيوني يفرض عليك بعض الأشياء من بينها ألا تشرح كل ما تشاهده، ولا تنسى أنه يمنعك من الحديث عن الهفوات التحكيمية والفنية بسبب وجود ستوديو تحليلي.

أكثر تعليق لا تنساه خلال مسيرتك؟

– أتذكر أمم أفريقيا 2010، عندما علقت على فوز مصر بأربعة أهداف نظيفة أمام الجزائر، أعتبرها أهم مباراة علقت عليها في حياتي المهنية، وتأتي من بعدها مباراة مانشستر يونايتد مع بايرن ميونخ عام 1999، كنت أعلق على قناة النيل للرياضة رفقت الكابتن أحمد شوبير، وأعتز كثيرًا بأول مباراة أعلقها من أرض الملعب مع بي إن سبورتس عام 2004 بين مانشستر يونايتد وميلوول في كأس إنجلترا، وبعدها حصلت على الفرصة للتعليق من الملعب في أمم أوروبا 2004 و2008 و2012 وكأس العالم 2010.

قرار اتخذته وتراجعت عنه؟

– قبل مباراة إسبانيا وروسيا في أمم أوروبا 2004، قررت نطق الأسماء الروسية بشكل سليم مثلما تنطق في الشارع الروسي، كنوع من التجديد ونقل الثقافة الروسية للوطن العربي.

كانت قناة الجزيرة في بدايتها وأود التأكيد على التفرد والتميز. ذهبت وسألت أحد الصحفيين الروس على نطق اسم كل لاعب من التشكيل الأساسي والاحتياطي، صدقني صُعقت بسبب الاختلاف الشاسع في النطق.

اكتشفت بأنني لو فعلت ونطقت الاسماء بالروسية سأتعرض للنقد ولن أنطق أي اسم بشكل صحيح بالنسبة للمشاهد العربي المعتاد على نطق الاسماء بالإنجليزية، لو نطقت الاسماء بطريقتهم لضحك كل العالم العربي عليّ.

مثلاً: اللاعب بيرزوسكي، نطقه السليم في الروسية هو: بروشيشكا. ونادي زينيت سان بطرسبيرج، نطقه السليم في الروسية: زينيتا. وهكذا.

ما أصعب موقف واجهك أثناء التعليق؟

– في نهائي كأس الاتحاد الأوروبي 2003 الذي كانت أعلق عليه عبر القناة الثانية المصرية الأرضية، تعرضت لاختبار صعب قبل بداية الشوط الثاني، ففي أثناء تحضير لاعبي سيلتيك جلاسكو وبورتو لأنفسهم من أجل ضربة البداية، فوجئت بمُشجع يقتحم أرض الملعب يُجرد نفسه من كل ملابسه.

يضحك: عدا جواربه!! ويشهر البطاقة الحمراء في وجه الحكم قبل ذهابه نحو الحارس فيتور بايا لتسديد الكرة. مشهد غريب ومُضحك ومثير للشفقة تختلط فيه كل المعاني.

ركزت وأحكمت السيطرة على نفسي، وقلت بكل بساطة: «مشهد مؤسف غير لائق، ينافي عاداتنا وتقاليدنا وتعاليم ديننا الحنيف».

أتذكر ردة فعلك جيدًا، هل تريد شريط فيديو تلك المباراة بتعليقك؟

– حقًا؟..أأنت من هواة التسجيلات؟ رائع، دعنا نعقد صفقة الآن!

بالتأكيد لديّ نسخة كاملة من المباراة! المهم، ماذا أخبروك بعدها؟

– عائلتي كانت تُتابع المباراة، وأعجبهم ردة فعلي، لكن زوجتي كانت في حالة اندهاش وصدمة من المشهد ومن ردة فعلي الهادئة آنذاك.

بعد عودتي إلى المنزل سألتني: “كيف تعاملت بهذا الهدوء، لو كنت مكانك هاتلخبط أو هاسكت خالص”!.

زملائي كذلك أشادوا بالطريقة التي خرجت بها من هذا الموقف. على العموم تعاملي الهاديء لم يحم المخرج التنفيذي في القناة الثانية من الإيقاف مع الأسف.

أنت مع أم ضد إظهار مثل هذه اللقطات على الهواء مباشرة؟

– ضد بالطبع رغم انها مواقف جيدة جدًا من الناحية العملية بالنسبة لنا كمعلقين، فمن خلالها نختبر قدراتنا في تناول الحدث ونختبر سرعة ردة فعلنا، إلا أنني لا أفضل ظهورها لأن كرة القدم ليست للرجال الكبار فقط بل للنساء والشباب والأطفال، ولا يصح أن نكون وسيلة لنشر مثل هذه الصفات إلى بيوتنا بتلك البساطة.

ما الدوري الذي تحب التعليق عليه؟

– كل الدوريات الأوروبية أحبها، ومؤخرًا أحببت التعليق على مباريات الدوري الألماني بالذات لبايرن ميونخ وبوروسيا دورتموند، الإخراج مذهل والأحداث مثيرة والمنافسة محتدمة.

أكثر شيء تفتقده في بي إن سبورتس رغم أنها قناة متكاملة؟

– التعليق على الدوري المصري بالطبع، أتمنى لو لدينا مباريات من الدوري المحلي بالطبع.

أُتهمت خلال مشروع معلق الذي بثته الجزيرة عام 2007 بالانحياز ضد المعلقين المصريين، ما تعليقك؟

– لم أكن صاحب الاختيار لأننا استعنا من لجنة تحكيم مكونة من أساتذة كبار على رأسهم فهمي عمر ويوسف سيف وأيمن جادة، ومن جانبي لعبت دورًا محددًا يرتكز على تدريب وتجهيز المتنافسين قبل خوضهم غمار المنافسة بأربعة أيام.

تسجيل الحلقة كان يتم يوم الاربعاء على ما أتذكر، وبداية تدريبي للمعلقين يستمر لأربعة أيام متتالية «السبت والأحد والاثنين والثلاثاء» ويتضمن التدريب بتصحيح الأخطاء اللغوية وإرشادهم للتعامل مع الميكروفون.

كنت يجب أن أتعامل بأمانة وبحيادية بسبب وجود هذا الكم الكبير من الجنسيات العربية، ونحن نعمل في القناة باحترافية ونبتعد عن المجاملات، ولا يصح أبدًا أن أجامل أمام الميكروفون على حساب المهنية.

سأخبرك شيئًا، نجل شقيقتي كان يتمنى المجيء للمسابقة ويشترك، لكنني رفضت مجيئه لأنني رأيته لا يصلح فنصحته بألا يحاول الاشتراك.

لماذا لم يجذب أي معلق مصري شاب الأنظار وقتها؟

– مشكلة جميع الشبان الذين جاءوا من مصر إما ضعف حاد في الشخصية والكاريزما أو ضعف لغوي وثقافي حاد.

قابلت الكثير من المثقفين رياضيًا لكن موهبتهم في التعليق شبه مُنعدمة، ولا يعرفون أي شيء عن أساسيات التعليق.

البعض منهم كان يتمتع بمهارة التعليق دون معلومات وقدرات لغوية متميزة، غير معقول أن أستعين كقناة محترفة بمعلق معلوماته ولغوياته ضعيفة، على العكس من القادمين من شمال أفريقيا، لديهم اللغة والمعلومات وبعض الأسس عن التعليق.

هذا ينقلنا لنقطة التفوق الشمال أفريقي على المدرسة المصرية!

– لا يوجد تفوق لشمال أفريقيا، الإعلام يروج لأشياء غير صحيحة، لدينا في مصر أصوات جيدة جدًا مثل أحمد الطيب وحاتم بطيشة وطارق الأدور ومحمد عبده وأيمن الكاشف، ويوجد محمود أبو الركب الذي يعلق على مباريات تشيلسي في قناة (أون تي في) مستواه جيد، وهناك أسماء أخرى لم تحصل على فرصتها بعد.

ما أسباب توقف برنامج مشروع معلق عند موسم يتيم؟

– كانت فكرة رائعة ورائدة، وبعد ذلك استنسخت في مجالات إعلامية أخرى. تجربة البرنامج كانت استثنائية، والأستاذ أيمن جادة كان هو صاحب الفكرة.

وتوقف عند موسم واحد بسبب تكلفته الضخمة، إذ شارك معنا 120 شابًا على 10 حلقات ثم تصفيات ونهائيات، وتحملت القناة تكاليف تذاكر الطيران والإقامة وغيرها من أمور.

على أي حالة تبقى الفكرة مطروحة بصفة مستمرة رغم تكاليفها الباهظة، لكننا ساعدنا في ظهور العديد من الوجوه الشابة مثل محمد الغياتي من مصر وعادل خلو من الجزائر ومحمد الشمسي من الإمارات وسوار الذهب واليعقوبي من عُمان، وأعتقد أن القناة فعلت كل ما عليها بتقديمهم، وبعد ذلك كل شخص عليه الاجتهاد وخلق فرص لنفسه والاستفادة من البداية قدر المستطاع.

ما رأيك في الاعلام الرياضي الالكتروني؟

– شهادتي ستكون مجروحة بسبب هذه الاستضافة، لكن للأمانة المهنية وإحقاقًا للحق، المواقع أحرص على متابعتها، وهي مصدر مهم للغاية بالنسبة لي في عملي اليومي.

ألمس الاجتهاد بنفسي في معظم المواقع، وسعيد بالعناصر الشابة التي تضمها، وراء كل موقع من المواقع جيل مثقف يتمتع برؤية ومهارة، لفترة طويلة كانت أخبار الكرة والرياضية العالمية تقص وتلصق من الوكالات العالمية في كل الصحف والمجلات دون لمسة جمالية وحرفية صحفية، كانت السيطرة لما ترسله الوكالات إلى الصحف عن الكرة العالمية.

لو كنت تتابع خلال فترتي التسعينيات وبداية الألفية، ستجد الخبر كما هو في جريدة الأخبار في الأهرام والجمهورية، لا يوجد أي اختلاف، جميعها من نفس المصدر وبنفس الصياغة أو بنفس الاستامبا، وحتى هناك مواقع تسير على نفس الفكر، ربما لاستعانة تلك المواقع برؤساء تحرير وعناصر سبق لها العمل في الصحف الورقية.

لكن المواقع الرياضية منذ عام 2010 حتى الآن استطاعت فرض نفسها وتغيير هذا النمط الكلاسيكي والتقليدي، وتقديم مواد اخبارية وتقريرية مختلفة فيها لمسة فنية وحرفية صحفية عالية المستوى.

مقالات ذات صلة