كرة القدم الإفريقية

ما أسباب ودوافع العنف في ملاعب الدوري التونسي للمحترفين؟

عادت ظاهرة الفوضى لتطفو على السطح مجددًا في الملاعب التونسية مع عودة جزئية للجماهير مؤخرًا، عقب نحو عام من خوض المنافسات الرياضية بمدرجات فارغة بسبب إجراءات جائحة كورونا.

وعقب قرار أكتوبر الأول 2020 بتعليق حضور الجماهير في المرافق الرياضية إثر انتشار جائحة كورونا، قررت السلطات التونسية في نوفمبر الثاني 2021 السماح بعودة جزئية للجماهير بنسبة 15 بالمئة من سعة الملاعب والقاعات بعد تحسن الحالة الوبائية، ثم سمحت منتصف فبراير الماضي بعودتهم بسعة 50 بالمئة.

وتصاعدت ظاهرة العنف والفوضى في ملاعب كرة القدم ووصلت أيضًا إلى رياضات القاعات، مع اقتراب نهاية الموسم الرياضي وبلوغ المراحل النهائية للبطولات واحتدام المنافسة بالأسابيع الأخيرة، وسط جهود من السلطات للخروج من هذه الأزمة.

سلسلة أحداث العنف بدأت في 10 أبريل الماضي، أثناء مواجهة الترجي الرياضي بضيفه اتحاد تطاوين بملعب “رادس”(جنوب العاصمة) في المرحلة الأولى لدوري كرة القدم.

وحينها وقعت اشتباكات عنيفة بين عدد من جماهير الترجي مع الأمن كانت حصيلتها إصابة 6 رجال أمن وعدد من الجماهير وكسر بلور (زجاج) سيارتي أمنٍ، بحسب تصريح للمتحدث باسم الحماية المدنية التونسية.

– عمر العبيدي.. أيقونة الجماهير –

وسبق ذلك عدة حوادث مشابهة أبرزها لقاء النادي البنزرتي ضد اتحاد بن قردان في أبريل 2021 حيث اعتدى مجهولون على الحكم هيثم قيراط في حجرات الملابس، ليتقدم بشكوى في الحادثة.

وعقب ذات اللقاء اعتدى الأمن على عدد من جماهير البنزرتي التي رددت أغنية تذكر بمقتل محب النادي الإفريقي عمر العبيدي.

وفي 31 مارس 2018، غرق مشجع النادي الإفريقي عمر العبيدي في وادي مليان (جنوبي العاصمة)، “بعد إجباره من الشّرطة على القفز فيه” إثر مباراة كرة قدم، وفق فريق الدفاع، وهو ما نفته السلطات آنذاك.

وأطلق ناشطون بمواقع التواصل الاجتماعي حملة بعنوان “تعلم عوم (السباحة)” في أبريل 2018، إثر غرق العبيدي، وسط مطالبات من جهات حقوقية ومدنية، باعتماد 31 مارس من كل عام، يومًا وطنيًا لمناهضة “الإفلات من العقاب”.

مشاهد العنف تكررت بملعب الطيب المهيري بمدينة صفاقس (جنوب) بسبب نفس الأغنية “عمر حي إن شاء الله في الجنة”.

ففي 18 أبريل الماضي أثناء لقاء “الصفاقسي” بـ”نادي حمام الأنف”، “تم تسجيل اعتداء الأمن داخل الملعب وخارجه على مشجعين أكثرهم من القصر وتوقيف حوالي 100 مناصر أطلق سراحهم لاحقًا بتهمة التسبب بالفوضى”، بحسب “الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان” (مستقلة).

وحول الموقف الرسمي، قال المدير العام للأمن العمومي في وزارة الداخلية مراد حسين في 13 أبريل الماضي، مُعلقًا على التوتر الذي شهدته بعض الملاعب في الآونة الأخيرة، إنه “يجب إيجاد حل لظاهرة العنف قبل فوات الأوان”.

وأضاف أن “وزارة الداخلية لم ترغب يومًا في منع الجماهير من الدخول إلى الملاعب إلا أن ارتفاع منسوب العنف أصبح مزعجًا”، موضحًا أن “العنف قد يخرج عن السيطرة إذا لم تتدخل مختلف الجهات لإيجاد حل جذري وسريع”.

– العنف يتوسع –

وفي 27 أبريل شهد لقاء لكرة الطائرة بين فريقي النادي الصفاقسي وضيفه النجم الساحلي تبادل عنف بين اللاعبين، وقرر اتحاد الكرة الطائرة معاقبة 4 لاعبين من الفريقين بالإيقاف عن اللعب لعدد من المباريات وحتى لعامين اثنين.

وفى أبريل أيضًا، أعلنت مجموعة “نورث فاندالز (أولتراس)”، من محبي النادي الإفريقي، إيقاف 14 من أعضائها بعد مداهمات ليلية لمنازلهم دون أن توجد تهمٌ بشأنهم.

ولا تخلو منافسات الدرجات السفلى وخاصة في رياضة كرة القدم من أحداث عنف جراء رفض النوادي تقبل الهزيمة أو بسبب حسابات البقاء والنزول في هذه الأقسام.

– تفاعلات المجتمع –

الظاهرة تفشت خاصة بعد ثورة العام 2011 وباتت المباريات فرصة لصراعات وخروج عن النص لأسباب مختلفة نرويها في هذا التقرير على لسان مختلف المتداخلين في هذه الظاهرة.

ويرى بلعيد أولاد عبد الله، أستاذ علم الاجتماع، في حديثه للأناضول، أن “الملامح النفسية والاجتماعية للوافدين الجدد على الملاعب (الجماهير)، مهمة لتمييز طريقة تعبيرهم، أغلبهم جيلٌ جديد تعرفوا على المدرجات بعد العام 2011”.

ويقول: “المشجعون غالبًا من أبناء الأحياء الشعبية في تونس، يعيشون واقعًا اجتماعيًا ونفسيًا صعبًا سواء داخل الأسرة أو في المجتمع، ويعيشون فترة إحباط بسبب المنع والحجر(إثر جائحة كورونا)، فضلًا عن منعهم من حضور المباريات لفترة طويلة، ما أفرز واقعًا قوامه الإحباط والاستياء”.

ويضيف عبد الله، “الواقع الاجتماعي والسّياسي المتذبذب في البلد له دور في ما يحصل الآن، وفي حالة الفوضى والعنف المستشرية”.

ويعتبر أن “البلاد تكرست فيها منظومة تعاني انفلاتًا أمنيًا واجتماعيًا؛ من عنف لفظي ومادي على أرض الواقع وعلى منصات التّواصل الاجتماعي، ودون حضور آليات رقابة وتأطير، وهو ما يسمى في علم الاجتماع بالضابطة الاجتماعية التي باتت معدومة”.

وعن انتشار هذه الظاهرة بين مسؤولي الفرق واللاعبين يوضح المختص الاجتماعي، أن “البحث عن الفوز والنّجاح، ورفض الهزيمة والفشل بكل وسيلة ممكنة جعلت الكلَ منخرطًا في مسار العنف”.

ويشير إلى أن “الرياضة في تونس تعيش مرحلة بات فيها الفساد والتلاعب بالنتائج وغياب الروح الرياضية أمورًا منتشرة، ليكون العنف تعبيرًا عامًا وانعكاسًا لما يحصل في المجتمع”.

– وجوب تأطير الجماهير –

من جهته يرى الناشط حمزة الوسلاتي، رئيس الجمعية التونسية لصيانة الروح الرياضية أن “لانتشار العنف والفوضى في الملاعب خاصة والرياضة عامة ببلادنا أسباب أهمها المنع من الحضور لفترات زمنية طويلة والمناوشات بين الأمنيين والجماهير قبل المباريات وبعدها”.

ويقول للأناضول: “يجب تأطير (توعية) الجماهير وتكوين الأمنيين في طرق الاتصال والتواصل والتخلي عن كل ما يسبب المشاحنات ويزيد في الانفعال بالنسبة للمشجعين من لحظة اقتناء التذاكر إلى حين مغادرتهم الملاعب التي تعتبر مساحة للخروج من النسق العادي للحياة”.

– عنف البوليس “سبب العداوات” –

أما محمد رشيد الزمرلي المسؤول بالنادي الإفريقي، والمتحدث الرسمي للفريق (عضو ألتراس سابق)، يقول للأناضول: “طريقة التعبير عن حب المناصرين لأنديتهم تغيرت بين ما قبل 2011 وما بعد هذا التّاريخ”.

ويشير إلى أن “المصلحة الضيقة غلبت على المصلحة العامة، وأعتقد أن تغييب الجماهير وعدم معرفتها بعالم الملاعب سبب في ما يحصل اليوم”.

ويضيف الزمرلي، “الإشكال يتمثل في أن الجيل الحالي للجماهير لم يعرف الملاعب إلا في عمر متقدم، لا يعرف كيف تسير الأمور”.

ويتابع، “ما يحصل هو ردود أفعال بسبب تضييقات سواء من أمنيين أو مناصري المنافس أو حتى داخل مجموعات الألتراس بالفريق الواحد”.

وتقول خلود كنز (مدربة لياقة بقاعة رياضية): إن “العنف اللفظي والمادي الحاصلان في الملاعب وراء تراجع وقلة حضور العنصر النسائي”.

وتضيف، “الأمر يبدأ من الطريق إلى الملعب إلى طريق الخروج ولا يمكن هنا للفتيات والنسوة أن يكُنّ حاضرات كما ينبغي في ملاعب وقاعات الرياضة في تونس”.

أما أحمد (اسم مستعار)، المحب والعضو بإحدى مجموعات فريق الترجي الرياضي فيعتبر أن “العنف ليست الجماهير وحدها المسؤولة عنه، فالأمن غالبًا هو سبب ما يحصل بسبب الممارسات البوليسية التي تقمعنا وتمنعنا من التعبير سواء بالغناء أو بإدخال ما يعرف بالدخلة (صورة عملاقة تعلق على المدرجات تحمل رسائل أو اقتباسات)”.

ويقول: إن “تقليص عدد الحضور في المباريات يتسبب في مشاكل متزايدة خاصة مع اقتراب نهاية الموسم حيث يرغب كل محب في تشجيع فريقه وهو ما لا يكون متاحًا إلا للقليلين”.

ويضيف المشجع التونسي، “احتكار رجال الأمن لتذاكر المباريات وبيعها في السوق السوداء بأسعار باهظة لن يخلف إلا عداوات أكبر بين الأنصار والأمنيين وهو ما يعرفه الجميع في تونس”.

ويفسر عبد المنعم الدربالي (لاعب دولي سابق ومدرب حاليًا) الظاهرة بأن “عقلية المحب تغيرت عما كانت عليه، يجب على المسؤولين بالنوادي الجلوس إلى المحبين والاستماع إليهم وتأطيرهم”.

ويضيف للأناضول، “على المدرب واللاعب أن يكون مثالًا قبل أن يبحث عن سبب العنف الذي يأتي من أنصار فريقه أو منافسيه”.

ويؤكد الدربالي أن “الكل يجب أن يكون مسؤولًا، الحلول لا تأتي إلا باشتراك كل المتداخلين في الظاهرة لحلها، وليست هذه الصورة التي يجب أن تقدم عن الرياضة التونسية التي تستحق الأفضل دون شك”.

مقالات ذات صلة