تقارير صحفيةكرة القدم الأوروبية

ما بعد مباراة باريس وأتلانتا | ضربة توخيل تحت الحزام تقضي على تأثير الفراشة

عشنا ليلة ستخلد طويلاً بالنسبة لفريق باريس سان جيرمان، مساء اليوم الاربعاء، عندما قلب تأخره بهدف أمام الحصان الأسود لدوري أبطال أوروبا هذا الموسم “أتلانتا” إلى فوز مُستحق بهدفين جاءا في الدقائق الخمس الأخيرة من اللقاء الذي استضافه ملعب دالوش في العاصمة البرتغالية لشبونة، في افتتاح مباريات ربع النهائي.

تغييرات المدير الفني الألماني لباريس “توماس توخيل” كان لها مفعول السحر خلال الشوط الثاني، فبعدها تحكم فريقه في إيقاع اللعب، وظهر وكأنه يلعب بعدد أكبر من لاعبي أتلانتا الذين تراجع انتشارهم عما بدأوا عليه اللقاء.

بدأ توخيل اللقاء بخطة 4-3-3 على الورق تتحول لـ 2-5-3 في الشق الهجومي بتقدم الظهيرين بيرنات يساراً وكيرير يميناً مستغلين حذر ماركينيوس في التغطية أمام قلبي الدفاع، أما في الشق الدفاعي، فكانت الخطة تعود لطبيعتها بتراجع الظهيرين

ماركينيوس قام بدوره الدفاعي على أكمل وجه كمدافع حر (متقدم) أمام الثنائي تياجو سيلفا وكيمبيمبي في الشوط الأول فيما عدا لقطة الهدف التي شارك في تحمل خطأها برفقة الثلاثي سيلفا، كيمبيمبي وبيرنات، فيما فشل في تقديم الإضافة الهجومية المرجوة لأسباب سنسردها لاحقاً

ضغط باريس بقوة في ثلث الساعة الأولى بحثاً عن هدفٍ مبكر، ونجح بعض الشيء بهذا الضغط في إرهاب أتالانتا الذي اضطر للتراجع أمام طوفان هجمات باريس بقيادة نيمار، مما أدى لعزل المهاجم الكولومبي زاباتا عن الثنائي جوميز وماريو باساليتش.

تأثير الفراشة

ظهر جلياً “تأثير الفراشة” بغياب ضابط الإيقاع الإيطالي فيراتي، فكان غيابه ضربةً مؤثرةً مؤثرةً على أبناء عاصمة النور في الشوط الأول خصوصاً، فبالرغم من قدرات وخبرة هيريرا في الحفاظ على الكرة، إلا أن بطئه أمام الضغط الرهيب من وسط أتالانتا أجبره على تمرير معظم الكرات للخلف، حيث افتقد لرشاقة فيراتي في الدوران بالجسد وقلة الحجم اللذين يساعدانه في الخروج بالكرة بسلاسة وبناء الهجمة تحت الضغط..

أدى هذا الأمر لسقوط المهاجم الرئيسي نيمار جونيور كثيراً للخلف ليستلم الكرات ويقود الهجمات بنفسه، إلا أن هذا أثر على مخزونه البدني بسبب إهدار طاقة كبيرة في الركض من منتصف الملعب والذي لا يخلو من ضربات لاعبي الخصم بطبيعة الحال، مما أنهكه تماماً في إنهاء الهجمات عند الوصول لمنطقة الخطورة، إذ أهدر العديد من الفرص ومن ضمنها انفرادين صريحين برعونةٍ وضح فيها التعب على النجم البرازيلي.

كان يمكن لتوخيل تفادي إرهاق نيمار المبالغ به في الشوط الأول لو كان صانع ألعابه الأرجنتيني دي ماريا متاحاً، ولكن غيابه بالإضافة لإصابة مبابي جعلا كفة باريس مائلةً تماماً للجهة اليسرى التي شغلها الجناح التقليدي الأعسر سارابيا، والذي لم يكن له دوراً ملموساً في ظل ميل المهاجم الرئيسي نيمار الطبيعي للعب على جهته اليسرى المحببة، فيما كان من الأجدر الزج بسارابيا على الجهة اليمنى كجناحٍ عكسي يضم للداخل مع تقديم إيكاردي لمركزه الأصلي كمهاجم صندوق، حيث كان توظيفه هو الأخر غريباً جداً على الجهة اليمنى لأنه يفتقد للسرعة وابتعد كثيراً عن مكمن خطورته كقناصٍ داخل مربع العمليات

قدم بيرنات ما عليه كظهيرٍ هجوميٍ لكن تقدمه المبالغ فيه أثر كثيراً على فريقه في الجانب الدفاعي حيث استغل الساحر الأرجنتيني أليخاندرو جوميز الـ blind side بإرسال العديد من العرضيات الخطيرة خلف ظهر الظهير الإسباني القصير الذي لم يكن له أي حيلةً في مواجهة الظهير الأيمن الهولندي الطويل هاتيبور صاخب ال188 سم.

ورغم فشل محاولتان بنفس هذا السيناريو إلا أن هدف النيراتزوري أتى أخيراً بطريقةٍ مشابهةٍ، بعدما تقدم هاتيبور للعمق ليسحب خلفه رقيبه بيرنات، مما أفسح المجال تماماً أمام المتحفز ماريو باساليتش، والذي استغل التهور المعتاد من كيمبيمبي عندما تقدم لمساندة زميله تياجو سيلفا أمام توغل الوحش زاباتا، ليمرر الأخير الكرة لزميله الكرواتي الذي عوض غياب جاره من دول البلقان -المهاجم السلوفيني إليشيتش- على أكمل وجه، ليسجل بيسراه من تسديدةٍ قويةٍ متقنةٍ بنفس طريقة زميله الغائب الحاضر، والذي تمكن من هز شباك فالنسيا الإسباني برباعيةٍ بنفس الطريقة بقدمٍ يسر لا ترحم وتعرف طريقها للشباك جيداً.

رغم أن الهدف قد أتى عكس سير اللقاء، إلا أن هذا ما ميَّز أتالانتا جاسبيريني عموماً في كثيرٍ من مباريات الموسم الحالي، وأبرزها أمام فالنسيا في ثمن نهائي الأبطال، فليس شرطاً أن يكون أبناء بيرجامو هم الطرف الأكثر سيطرةً وصناعةً للفرص، ولكنهم قطعاً كانوا في غالبية مباريات موسمهم التاريخي المنقضي الطرف صاحب النجاعة الهجومية الأفضل بلا منازع بنسبةٍ اقتربت من حد الكمال.

ضربة توخيل

قرأ توخيل مجريات الشوط الأول جيداً، وقرر وضع خطة يضرب من خلالها نظيره العجوز الإيطالي في شوط المدربين على ثلاثة مراحل في ثلاثة مناطقٍ مختلفةٍ في شوط المدربين، بعبقريةٍ فذةٍ من مدرب دورتموند السابق.

البداية ونقطة التحول في الفريقين كانت بدخول العداء الفرنسي كيليان مبابي بدلاً من سارابيا الذي كان وجوده على اليسار بلا فائدةً تذكر، ولكن المفاجأة لم تكن في تعافي الغزال الفرنسي من إصابته المروعة في الكاحل وعودته للمشاركة في هذا اللقاء، والتي بدت مستحيلةً سابقاً، ولكن كانت في إصرار المدرب الألماني على الضغط من الطرف الأيسر لباريس (الأيمن لأتالانتا)، حيث عاث مبابي فساداً في تلك الجهبة مشكلاً ثنائياتٍ رهيبةٍ مع زميله نيمار (رجل المباراة)، تحولت لثلاثياتٍ في أوقاتٍ أخرى بتقدم بيرنات الذي لم يجد غضاضة في الانطلاق لمساندة الهجوم في ظل تراجع المسكين هاتيبور لمساندة الدفاع أمام المد الهجومي الرهيب للباريسيين على اليسار بعد دخول الداف الفرنسي الذي انفرد بالمرمى مرتين بعد دقائقٍ قليلةٍ من مشاركته.

وقف جاسبيريني عاجزاً بين مطرقة انهيار فريقه بدنياً في نصف الساعة الأخيرة -بعد الضغط الثلاثي الرهيب الذي شنه لاعبوه على حامل الكرة لمدة 60 دقيقة، فهم ليسوا بلياقة فريقٍ كبيرٍ يطبق هذا الأسلوب مثل بطل إنجلترا ليفربول في نهاية المطاف- وبين سندان غياب البدائل ذات الكفاءة المشابة للأساسيين على دكة البدلاء، فما كان منه إلا أن استبدل المرهق بابو جوميز بمالينوفسكي الأقل إبداعاً، وحاول إيقاف خطورة مبابي بإخراج المدافع المرهق وصاحب البطاقة الصفراء دجيمستي والزج ببالومينو بدلاً منه، وأمر فريقه بالتقهقر للدفاع مع الاعتماد على المرتدات السريعة، مستعيناً بالبمهاجم البديل مورييل إلى جانب مواطنه زاباتا بدلاً من باشاليتش لهذا الغرض.

لم يمهل توخيل منافسه كثيراً، فأتى موعد الضربة الثانية في منتصف شوط المدربين بدخول الثنائي الحيوي الهجومي دراكسلر وباريديس بدلاً من المنهكين هيريرا وإدريسا جاي، لينفرج الضغط أخيراً عن ماركينيوس الذي انطلق للأمام في ربع الساعة الأخيرة للتغطية خلف المهاجمين وربح معظم الكرات الثانية لإعادة بناء الهجمات سريعاً وحرمان الخصم من شن هجماتٍ مرتدةٍ كانت من شأنها أن تهدر الوقت المتبقي وتكسر من حدة الإيقاع الذي أصبح جنونياً في ربع الساعة الأخيرة.

وقبل 10 دقائق على نهاية اللقاء، حرم توخيل منافسه من تخفيف الضغط على جبهة اليمين (يسار باريس)، فدفع بالكاميروني تشوبو موتينج على اليمين بدلاً من البطيء إيكاردي الذي كان خارج إيقاع المباباة تماماً، مما أجبر جاسبيريني على استخدام ورقته الدفاعية الأخيرة (كاستانيي) على الجبهة اليسرى (اليمنى لباريس) بدلاً من صاحب البطاقة جوزينس، مع الزج بلاعب الوسط داريفا بدلاً من المهاجم زاباتا لمحاولة إيقاف المد الهجومي لبطل فرنسا من العمق.

كانت هذه هي القشة التي قصمت ظهر البعير، فدائماً ما اعتمد أتالانتا على دخول الظهير الجوكر كاستانيي بدلاً من جوزينس يساراً أو هاتيبور يميناً، لكن توخيل كان يعلم جيداً أن الفريق الإيطالي لم يكن يمتلك ظهيراً أخراً بديلاً، فراهن على فتح ثغرةً في الجبهة اليسرى (اليمنى لأتالانتا) مستغلاً إرهاق هاتيبور وغياب البديل، أمام الضغط الرهيب من الثلاثي السريع مبابي، نيمار وبيرنات، مما أسفر في نهاية الأمر عن هدفين متشابهيين يتوغلٍ من اليسار عبر نيمار ثم مبابي على الترتيب، قبل التمرير في عمق منطقة الجزاء لماركينيوس ثم تشوبو موتينج على اليسار، لتنتهي المباراة بطريقةٍ دراماتيكيةٍ، ذكرتنا جميعاً بسيناريو مباراة الكامب نو الشهيرة في نهائي دوري الأبطال عام 1999، والتي قلب فيها العملاق الإنجليزي مانشستر يونايتد خسارته بهدفٍ نظيفٍ أمام بطل ألمانيا بايرن ميونيخ، لفوزٍ أسطوريٍ بهدفين لهدفٍ في الدقائق الأخيرة من البطولة التي عودتنا دائماً على مثل تلك المفاجآت.

مقالات ذات صلة